من هي الكاهنة ديهيا، ملكة دزاير عبر التاريخ؟
ديهيا أو ذايا، المعروفة في التراث الأمازيغي والجزائري باسم الكاهنة، هي إحدى أعظم الشخصيات التي مرت بتاريخ دزاير. وُلدت سنة 585م وتوفيت سنة 712م، وهي ابنة ماتيا بن تيفان، ووريثة الملك أكسيل في قيادة الأمازيغ. حكمت شمال إفريقيا مدة 35 سنة، وكانت مملكتها تمتدّ عبر مناطق واسعة تشكل اليوم الجزائر أساسًا، إضافة إلى أجزاء من تونس والمغرب وليبيا، فيما كانت ماسكولا (خنشلة اليوم) عاصمة ملكها في قلب جبال الأوراس بالدزاير.
عرفت المصادر الأمازيغية والعربية والأجنبية ديهيا بأنها امرأة قوية، جميلة، ذات دهاء وحنكة سياسية نادرة، وقدرتها على الحكم جعلت منها رمزًا خالدًا في ذاكرة الجزائريين. فكلمة ديهيا نفسها تعني “المرأة الجميلة” في الأمازيغية.
لماذا سُمّيت بالكاهنة؟
لقّبت بـ”الكاهنة” لأن العرب الذين واجهتهم لم يستطيعوا فهم قدرتها على توحيد قبائل الأمازيغ وهزيمة جيوشهم بقيادة حسان بن النعمان. فاعتقدوا أنها “تتنبأ” أو “تتلقى إلهامًا خارقًا”، بينما الحقيقة أنها كانت قائدة جزائرية أمازيغية تعتمد على ذكائها وجرأتها وخبرتها بشعوب المنطقة.
في ذلك العصر، لم يكن العرب قد رأوا امرأة تقود شعوبًا قوية كالجزائريين الأمازيغ، لذلك بالغت كتبهم في وصفها بالساحرة والمتنبّئة، وهي في الواقع قائدة سياسية وعسكرية تحمي دزاير من الغزاة مثلما فعل الأمازيغ دائمًا عبر التاريخ.
أما ديانتها، فيرجح أنها كانت وثنية، مرتبطة بآلهة أمازيغية مثل تانيت أو آمون، ولذلك حملت لقب “الكاهنة” باعتبارها كاهنة لهذه الآلهة.
تطور مقاومة ديهيا دفاعًا عن دزاير
على خلاف المشرق العربي الذي سقط سريعًا بيد الأمويين، لم تكن دزاير أرضًا سهلة. فقد واجه الأمازيغ كلّ الغزاة–الرومان، الوندال، البيزنطيين، ثم العرب–بصلابة نادرة، وكانت تضاريس الجزائر الوعرة وأساليب مقاومة سكانها سببًا في جعل فتحها صعبًا ودام طويلًا.
دام الصراع حوالي 60 سنة (بين 22هـ و82هـ)، وكانت ديهيا خلال هذه الفترة أبرز قائد سياسي وعسكري في المنطقة.
مرحلة الانتصار على حسان بن النعمان
بعدما هزم حسان الملك أكسيل، توجه نحو أراضي الجزائر، فوجد أمامه مقاومة لم يشهد لها مثيل. فقد وحّدت الكاهنة قبائل الأمازيغ وشكّلت جيشًا قويًا، والتقت بجيوش حسان قرب نهر “بلىّ” في ما عرف بـ”يوم البلاء”.
كانت النتيجة هزيمة ساحقة للعرب وفرار حسان إلى تونس، وكان هذا أول وأقسى هزيمة يتلقاها العرب في تاريخهم بشمال إفريقيا.
وبرغم قدرتها على اقتحام القيروان، إلا أنها لم تخربها، ولم تقتل المسلمين الذين فيها، بل اكتفت بطرد جيش حسان من أراضي دزاير. كما أطلقت سراح أسراه، باستثناء خالد بن يزيد الذي تبنته لأسباب استراتيجية.
الكاهنة وسياسة الأرض المحروقة
بعد اشتداد الصراع، ومع معرفتها بخيانة خالد بن يزيد لاحقًا، لجأت إلى سياسة الأرض المحروقة لحماية دزاير من الطمع في خيراتها. كانت تقول:
“إن العرب لا يريدون من بلادنا إلا الذهب والفضة… ولن نسمح لأحد بأن يأخذ من دزاير شيئًا.”
لكن الكثير من المؤرخين—خاصة الغربيين—يشككون في صحة هذه الرواية لأن تخريب الأرض ليس من عادات الأمازيغ، بينما المصادر العربية فسّرتها على أنها “خطة عسكرية”.
مرحلة الغدر والهزيمة
بعد استعادة حسان لقوات جديدة من عبد الملك بن مروان، اجتاح جبال الأوراس مستفيدًا من خيانة خالد بن يزيد الذي كشف له أسرار المملكة الأمازيغية.
في معركة حاسمة بالأوراس، قاومت ديهيا حتى الرمق الأخير دفاعًا عن دزاير، لكنها قُتلت غدرًا وهي عجوز في الـ127 من عمرها. وقد قال عنها الثعالبي:
“ذهبت هذه المرأة النادرة ضحية الدفاع عن حمى البلاد.”
أما ابن خلدون فوصفها بأنها:
“فارسة الأمازيغ التي لم يأت بمثلها زمان، تركب حصانًا وتسعى بين القوم حاملة السلاح من الأوراس إلى طرابلس.”
ويقال إن مكان استشهادها موجود في بئر الكاهنة قرب بير العاتر–جنوب شرق الجزائر.
ديهيا: رمز من رموز دزاير الخالدة
عاشت ديهيا 127 سنة، حكمت خلالها بصلابة، ووحّدت أغلب قبائل الأمازيغ، ودافعت عن أرض الجزائر (دزاير) ضد كل القوى الأجنبية. ترمز سيرتها اليوم إلى قوة المرأة الأمازيغية، وشجاعة سكان الأوراس، وصلابة تاريخ الجزائر عبر القرون.