تُعَد صباح لقصير واحدة من الأسماء اللامعة في مجال الكتابة والتوثيق بالجزائر، حيث تجمع بين رسالتها كأستاذة في التعليم الثانوي بولاية بسكرة، وشغفها العميق بتاريخ وتراث الشاوية الأمازيغي. وُلدت صباح في أحضان منطقة الشاوية بالجزائر بأعالي جبال الأوراس، تحديدًا بمنطقة “آه فرح” في عين زعطوط، وهي منطقة تحمل في تضاريسها وأحجارها قصص الأجداد وصدى حكايات المقاومة.
كاتبة تسبر أغوار التاريخ الأمازيغي
لم تكتف صباح لقصير بدور المربية، بل انطلقت في رحلة ثقافية ومعرفية جعلت منها كاتبة مهتمة بتاريخ وتراث الأمازيغ، بشقيه المادي واللامادي. عبر إصداراتها، تسعى صباح للحفاظ على الذاكرة الجماعية للمنطقة ونقلها للأجيال القادمة، سواء باللغة الأمازيغية (ثامازيغيث) أو باللغة العربية.
إصدارات توثق تاريخ المنطقة ورجالاتها
تنوعت مؤلفات صباح لقصير بين توثيق أعلام الأوراس وثواره، وتقديم نصوص أمازيغية أصيلة مكتوبة بحرف التيفيناغ، مما يجعل من كتاباتها جسرًا يربط بين الماضي والحاضر. ومن أبرز أعمالها:
“معالم وأعلام من الأوراس” – يتناول الكتاب شخصيات بارزة من المنطقة، من معلمي القرآن والمدرسين والصحفيين، إلى المدارس والجوامع التقليدية. يسبر الكتاب أغوار التعليم القديم ويعيد رسم صورة الحياة الثقافية والتعليمية لمنطقة الشاوية.
“ثائر من الأوراس” – يستعرض سير مجاهدين بارزين مثل عمار معكوف وبهاز محمد، حيث تروي صباح حياتهما قبل وأثناء وبعد الثورة التحريرية، معززة السرد بالوثائق والصور والشهادات الحية.
“إضريصن ن عمر نزال” – مجموعة نصوص أمازيغية لعمر نزال، توثق حياة عرش “آه فرح” في فترة 1932م، وهي نصوص منشورة سابقًا في كتاب الباحث الفرنسي “أندري باسي”.
“سڨ مغراصن ن دزاير” – قصة قصيرة عن الثورة الجزائرية، تعكس روح النضال من خلال سرد صغير ولكنه عميق يروي تفاصيل المقاومة.
“من شهداء الأوراس” – يتناول الكتاب سيرة شهيدين بارزين، عيسى بلجبل وقاشم السعيد، مع عرض تفاصيل معاركهما ونضالهما حتى لحظة استشهادهما، موثقًا ذلك بالصور والشهادات الحية من رفاقهما.
حضور ثقافي بارز:
لم تبقَ صباح لقصير حبيسة الورق، بل امتد نشاطها إلى معارض الكتاب الوطنية والدولية. فقد شاركت في صالون الجزائر الدولي للكتاب (سيلا 2023)، بالإضافة إلى المعرض الوطني للكتاب الأمازيغي في تيزي وزو، بجاية، وباتنة. كما شاركت في منتديات أدبية عديدة، وظهرت في برامج إذاعية وتلفزيونية، حيث تساهم في نشر الوعي الثقافي وتعزيز الهوية الأمازيغية.
رسالة كاتبة من قلب الأوراس:
من خلال كتاباتها، تُجسِّد صباح لقصير صوتًا للذاكرة الشعبية والتاريخية للثقافة الشاوية كجزء من الثقافة الجزائرية، مُؤمنة بأن الحفاظ على التراث هو امتداد للنضال الذي خاضه أجدادها. كلماتها ليست مجرد حروف، بل هي طُرق محفورة في كل مناطق الشاوية و العوية الجزائرية، تحكي قصة شعبٍ لم ينكسر أمام الزمن، بل جعل من ماضيه جسرًا للمستقبل.